إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42741 مشاهدة
باب السلام من الإسلام

باب: (السلام من الإسلام). وقال عمار ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار.
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .


ذكر هذه الخصال وذكر أنها من الإسلام، وهو دليل على أن الإسلام يفسر بالأعمال الظاهرة، ولكن قد يكون بعضها أو كلها من آثار الإيمان الذي في القلب، فالإنصاف من نفسك، وكونك تعترف بالحق الذي عندك ولا تجحده؛ إذا مثلا كان عندك دين أو نحوه فلا تجحد ما عندك، اعترف بأن عندك لفلان كذا ولفلان كذا، وكذلك أنصف من نفسك، إذا حصل منك اعتداء إذا حصل منك ضرب لفلان بغير حق، فأنصفه حتى يقتص منك ويأخذ بالثأر، وإذا قتلت أحدا ظلما فاعترف ولو أدى ذلك إلى قتلك قصاصا، وإذا أتلفت مالا فاعترف بأنك أنت الذي أتلفته حتى تكلف بدفع قيمته وما أشبه ذلك من الإنصاف.
المنصف حقا: هو الذي يعترف على نفسه بما فعل؛ يعترف على نفسه بأنه هو الذي جنى على فلان، أو استدان من فلان، أو استعار من فلان، وأن ما فعله فإنه عنده.
(بذل السلام للعالم) هذا أيضا من الخصال المتعدية، وهو السلام على من عرفت ومن لم تعرف كما في الحديث، السلام تحية جعلها الله بين المسلمين يحيي بعضهم بها، قال الله تعالى: لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا أي تقولون: السلام عليكم. إذا طرقت أحد الأبواب فإنك لا تدخل حتى تسلم ويؤذن لك، فتقول عند الباب: السلام عليكم أأدخل؟ إلى أن يؤذن لك ويقال: ادخل.
(الإنفاق من الإقتار) معناه أن ينفق الإنسان مما أعطاه الله ولو كان فقيرا، (الإقتار) هو الفقر في قوله، أو الإقتار: هو الإمساك والبخل، قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ؛ لَمْ يُسْرِفُوا في زيادة في الإنفاق وإسراف وَلَمْ يَقْتُرُوا أي: لم يبخلوا؛ لأن طبع الإنسان الإمساك، قال الله تعالى: إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا أي: بخيلا، فإذا كان الإنسان قد رزقه الله تعالى مالا فلا يكون قتورا أي: لا يكون شديد الإمساك، بل عليه أن ينفق ويعصي نفسه إذا دعته نفسه إلى الإمساك وإلى البخل، فإن هذا هو الإقتار، عليه أن يعصي نفسه، وعليه أن يبذل مما أعطاه الله ولو شيئا قليلا، وما ذاك إلا أنه ولا بد سيكون معه شيء من المال ولو كان قليلا فيعطي منه ولو تمرة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- اتقوا النار ولو بشق تمرة إذا رأى من يقبل التمرة ويستفيد منها فإنه لا يتركها بل يعطيها، فكيف بتمرات؟ فكيف بوجبات؟ فكيف بأكثر من ذلك أو أقل؟!
وأما الحديث يقول -لما سئل أي الإسلام خير؟ أو أي الإسلام أفضل؟- تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف .
وهذا مثل ما ذكر في الأثر وهو أنك إذا أعطاك الله فإنك تطعم مما أعطاك، تطعم لوجه الله، قال الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا يعني: يطعمون الطعام الذي هو الأكل، مِسْكِينًا الذي لا يجد كفايته ويدخل فيه الفقراء، وَيَتِيمًا مات أحد أبويه وصار ليس عنده من ينفق عليه، وَأَسِيرًا يعني: موثوقا مربوطا، سواء كان مسلما أو كافرا يعني: كالسجين ونحوه، فمثل هؤلاء كانوا يطعمونهم ويحتسبون الأجر فيقولون إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ يعني: طلب رضاه فلا نريد منكم جزاء ولا شكورا. فهكذا يكون وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ وهو أفضل الصدقة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تمسك حتى إذا بلغت الروح الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا قد كان لفلان فدلنا ذلك على أن الإنفاق في حالة كون الإنسان قويا سويا صحيحا شحيحا.
في هذه الحال إذا أنفق فقد عصى نفسه عصى داعي النفس وهو الإمساك؛ لأن النفس تحرص على الإمساك، فإذا عصى نفسه كان هذا أفضل عمل، ومنه قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ يعني: حال كونه يحب المال آتاه على حبه ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ذكر ستة؛ بدأهم بذوي القربى يعني: الصدقة على القريب صدقة وصلة. فينفق على أقاربه المحتاجين الذين عليهم نقص، وإن كانوا داخلين في المساكين ولكن لهم حق القرابة، جاء في الحديث: صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة فيقول الله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ فهكذا جاء الترغيب في الصدقة على هؤلاء.